لمن قيل تطاوعا في غزوة ذات السلاسل؟

غزوة ذات السلاسل أو سرية ذات السلاسل من أهم المعارك الإسلامية في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم-. يطلق بعض أهل العلم لفظ غزوة عليها على الرغم من عدم مشاركة الرسول- صلى الله عليه وسلم- في القتال لما لها من نتائج عظيمة. تعد هذه المعركة بمثابة شرارة الفتح المبين لمكة. سنرى خلال عرضنا لأحداث تلك المعركة كيف كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يفاضل بين أصحابه، وكيف كان يحكم بينهم؟ وكيف كان يختار بين رجاله الأصلح لكل مهمة؟ دعونا نبدأ.

السفراء والدبلوماسيون ليسوا حكرًا على التاريخ الحديث، بل كانوا على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- أيضًا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. يظهر الشكل المباشر لسفير الدولة حين يكون مبعوثًا رسميًا من قائد دولة لقائد دولة أخرى يحمل رسالة، كما هو حال كعب بن عمير رضي الله عنه في غزوة ذات السلاسل.

ويتضح الشكل غير مباشر للدبلوماسي أو السفير حين يكون مبعوثًا بشكل سري لدولة أخرى أو ربما قبيلة، إذ يجمع المعلومات ويحلل المشهد السياسي والعسكري، وكان النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- يستخدم هذا الأسلوب أيضًا.

أرسل النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- كعب بن عمير رضي الله عنه إلى قبيلة قضاعة بالشام وهم نصارى، وكان ذلك في شهر ربيع الأول عام 8 من الهجرة، وخرج مع كعب 14 رجلًا بغرض الدعوة إلى الإسلام.

ردت القبيلة بالسهام على السفير الإسلامي ومجموعته، أصيب القائد وقُتلت المجموعة كاملة، وظن العدو أن القائد قد قُتل، ولكنه تحامل على نفسه بالليل رغم إصابته الشديدة وأبلغ النبي بما حدث فحزن النبي – صلى الله عليه وسلم- لما حدث.

في ذلك الوقت كان يوجد خطر أعظم على الدولة، وهو خطر هرقل الذي جمع للمسلمين 100 ألف مقاتل، وكانت معركة مؤتة وهي من أعظم المعارك الإسلامية أيضًا، ولكن هل قاتل هرقل ومعه 100 ألف مقاتل فقط؟ لا بل قاتل ومعه 200 ألف مقاتل بفضل قبيلة قضاعة التي وفرت له 100 ألف مقاتل آخرين.

على صعيد آخر جاءت العيون التي كان يبثها النبي- صلى الله عليه وسلم- قائلة إن قضاعة تجمع لك جمعًا آخر، وكان جيش مؤتة قد عاد من المعركة، فأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بخروج سرية في جمادى الآخرة سنة 8 من الهجرة إلى ذات السلاسل.

كانت قبيلة قضاعة متواجدة بمنطقة تسمى بالسَلاسل أو السُلاسل، سواء السين مفتوحة أو مضمومة، وذلك على اسم بئر قريب يقال له السلسل.

أرسل الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى عمرو بن العاص- رضي الله عنه- لقيادة الجيش، وكان حديث العهد بالإسلام وقتها، فكان قد أسلم منذ 4 أشهر فقط، ولكن الرسول رأى أن قيادته للجيش ستحفظ له مكانته الذي اعتاد عليها قبل إسلامه.

اختار الرسول قائدًا عظيمًا قل أن يجود الزمان بمثله، وفي عمق نظره الشيء المذهل فهو عسكري محنك لا خلاف، وينطبق عليه قول القائل: شتان أن يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل

حضر عمرو بن العاص بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد إرساله له بسرعة يعرفها التاريخ لهمته الشديدة- رضي الله عنه-.

قال له الرسول: يا عمرو اذهب فالبس ملابسك وخذ سلاحك، إني أريد أن أؤمنك على سرية تسلم منها وتغنم ان شاء الله. وفي رواية اخرى إنِّي أُريدُ أن أَبعثك على جيش فيُغنِمَك اللهُ،

فقال عمرو بن العاص: يا رسول الله ما بايعتك على المال.

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم المال الصالح للمرء الصالح أو قال الرجل الصالح.

وورد في المعجم الأوسط للطبراني بسند حسن أن عمرو بدهائه استغل الموقف وقال

قال عمرو: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟

فقال رسول الله: ولم؟

فرد عمرو: يا رسول الله أحببت أن أُحب من تحب.

فأجاب رسول الله: عائشة.

فسأل عمرو: من الرجال؟

فرد النبي: أبو بكر.

قال عمرو: ثم من؟

فرد النبي: عمر بن الخطاب، فسكت عمرو بن العاص.

وورد في روايات أخرى أن لفظ من أحب الناس إليك وما بعده كان بعد نهاية غزوة ذات السلاسل، وعودة عمرو بن العاص من غزوة ذات السلاسل.

أمَّر رسول الله عمرو بن العاص على 300 فارس، وكان بئر السلسل يبعد عن المدينة المنورة مسافة 600 كم تقريبًا.

كانت وصية رسول الله لعمرو بن العاص: لو مررت على أحد من المسلمين خلال سيرك فاستمده، أي أطلب منه المدد والعون بجنود ومقاتلين آخرين.

تحرك عمرو بن العاص وكان يسير بالليل فقط حتى لا ترصده العيون ويستريح بالنهار، ووصل فعلًا بالقرب من قضاعة ثم أرسل العيون ليستكشف الوضع العسكري، فجاءت الأخبار بأنهم قد جمعوا جموعًا كبيرة.

أمر عمرو بن العاص الجيش بعدم القتال وأرسل إلى رسول الله يستمده بمدد في هذا الظرف حالك، وعمرو بن العاص دائمًا ما يدرس الموقف جيدًا ويفكر قبل القتال، سواء في غزوة ذات السلاسل أو غيرها من الفتوحات.

فأرسل الرسول بمدد 200 مقاتل بقيادة أبا عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأصبح جيش المسلمين 500 مقاتل.

انطلق أبو عبيدة حتى دخل على عمرو بن العاص وبدأ التشاور بينهما، فقال كل منهما للآخر عن نفسه أنه الأمير وقائد الجيش، فكانت حُجة عمرو بن العاص أن أبا عبيدة بن الجراح مدد له، وكان رأي أبو عبيدة بن الجراح أنه أمين الأمة، وأحد السابقين في الإسلام، وهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة والمدينة وشهد معه بدر وأحد.

تدخل بعض الصحابة قائلين يكون عمرو بن العاص أميرًا على أصحابه وأبو عبيدة أمير على أصحابه، فرأى أبو عبيدة أن شقاقًا بدأ يظهر في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فقال أبو عبيدة يا عمرو أتعلم آخر ما أوصاني به رسول الله حين أمًرني على المدد؟

فقال عمرو: لا.

فرد: أوصاني رسول الله آخر ما أوصاني فقال (إن لقيت صاحبك تطاوعا ولا تختلفا) فإنما أنا رجل أرجو الآخرة ولا أرجو الدنيا، وإن عصيتني يا عمرو فأنا أطيع الله فيك.

وكان رد عمرو بن العاص: إذن أنا الأمير.

فأجاب أبو عبيدة تقدم يا عمرو… فتقدم عمرو بن العاص فصلى بالناس وخلفه أبو عبيدة بن الجراح وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب! رضي الله عنهم جميعا.

وعقيدة الإسلام أن أبا عبيدة أفضل من عمرو.

فلما انتهت غزوة ذات السلاسل قيل يا رسول الله إن أبو عبيدة قد اختلف مع عمرو، وإن عمرو أبى عليه إلا أن يكون الأمير، وإن أبا عبيدة قال كذا وكذا، فاستبشر رسول الله لسعة عقل أبا عبيدة ونادى قائلا: يرحم الله أبا عبيدة يرحم الله أبا عبيدة يرحم الله أبا عبيدة، ومع ذلك لم يثبت في التاريخ تعنيف الرسول عمرو بن العاص على ما حدث رضي الله عنهم جميعًا.

بدأ عمرو بن العاص يتعرف على الأرض التي عليها المعركة ويدرسها فقد كان حديث العهد بها، وكان عمرو بن العاص كلما رأى تجمعًا للأعداء نزل فقاتلهم وغنم منهم بطريقة لا يصدقها أحد.

كان القتال مريرًا وأرهق المسلمون الأعداء، حتى أن أهل العلم عندما يذكرون غزوة ذات السلاسل، يقولون إن القوم شُرّدوا تحت وطأة عمرو بن العاص.

سمع الناس عن عمرو ودهائه وقتال المسلمين الشديد، فأصبحت المجموعات تتفرق خوفًا من المسلمين، واستمر عمرو بن العاص لأيام يقاتلهم، حتى هرب المتبقى منهم وفروا بعد كل ما حققه المسلمون من غنائم، فقد كان عمرو نزل بهم جميعًا وانتهى إلى أقصى بلاد عذرة وبلى وبلقين.

ولما فرّ المتبقي من الأعداء وقت الهرب، انطلق الصحابة خلفهم فمنعهم عمرو بن العاص وانحاز بهم. فقال الصحابة نريد أن نتبع آثارهم؟

فقال: عمرو لا، ألستم أمرتم أن تطيعوني؟

فقالوا: نعم وسكنوا لما منعهم. 

عرف هرقل ما حدث من قتال عنيف ولم يرسل مددًا لقضاعة، وعاد عمرو بن العاص منتصرًا بالجيش إلى المدينة المنورة.

اختلف عمرو بن العاص مع الصحابة في عدة أمور خلال أيام غزوة ذات السلاسل. بعد أن انتصر المسلمون وعادوا إلى المدينة المنورة تحت قيادة عمرو بن العاص، بدأ الصحابة في التشاور مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما حدث. 

نذكر 3 مسائل اختلف فيها عمرو بن العاص مع الصحابة ورد النبي -صلى الله عليه وسلم-:

بسبب برودة الطقس ليلًا أراد الجيش إشعال النار، وعند رفض عمرو بن العاص للأمر سكت الجيش ولم يشعلوا النار.

سأل النبي عمرو عن السبب: لماذا فعلت؟،

فقال: عمرو بن العاص: يا رسول الله كرهت أن يرى عدوهم قلة عددهم، ويعلم الأعداء أننا قلة فيجترئون علينا.

فحِمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكره وأقر ما قال عمرو بن العاص.

عندما سأله رسول الله: لماذا يا عمرو؟

قال عمرو بن العاص: خشيت يا رسول الله أن يكون لهم ذيل، فإذا انطلقت خلفهم هاجمونا من ظهورنا، والأرض ليست لنا.

فاستحسن رسول الله كلامه وابتسم له، فهو فارس مغوار وعسكري خبير.

فقال رسول الله صليت بالناس جنبًا يا عمرو؟
فقال عمرو: يا رسول الله إني نمت فاحتلمت وقمت من نومي وشعرت بالجو القارس، أي الشديد البرد، وأنا قد سمعت الله عز وجل يقول:

(وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
ومن ثم توعكت في التراب كما تتمعك الدابة، وقمت وصليت بالناس يقصد التيمم.
فتبسم رسول الله إقرارًا لفعله ولم يقل شيئًا.

لا ننسى فضل الالتزام بعقيدة الولاء والبراء بمعنى ولاء تام لله وبراءة تامة من الشرك، فاختيار رسول الله لعمرو بن العاص لقيادة غزوة ذات السلاسل ليعلم الناس درسًا أن المسلم يقاتل ذوي رحمة الكافر والمشرك.

كان جد عمرو بن العاص لأمه من قبيلة قضاعة ومع ذلك خرج عمرو على قيادة الجيش دون تردد، فلا يستقيم إسلام المرء إلا بمعاداة الشرك والمشركين والكفر والكافرين.

هؤلاء هم المسلمون يعلمون جيدًا معنى قوله تعالى (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ).

خرجت بعد هذه السرية مباشرة سرية سيف البحر بقيادة أبو عبيدة بن الجراح فهذا هو النبي محمد وحفاظه على قلوب أصحابه ومراعاة مشاعرهم.

  1. اختيار الرجل الأصلح عسكريًا للقيادة في المعارك الحربية. 
  2. التزام المسلم بعقيدة الولاء والبراء.
  3. الاختلاف بين المسلمين يحدث ولكن الذي يقدم المصلحة العامة هو الأفضل. 
  4. مراعاة قائد أو رئيس الدولة لمكانة كل فرد، وتعويض كل فرد يضحي من أجل المصلحة العامة. 
  5. اتباع القائد أمر لا بد منه، والتشاور بعد المعركة.
  6. استماع القائد أو رئيس الدولة لكل أفراد المجتمع.
  7. حصل المسلمون على اعتراف بقوتهم العسكرية وكان ذلك تمهيدًا لفتح مكة.
مَن الذي أرسله الرسول على جيش ذات السلاسل؟

عمرو بن العاص عام 8 من الهجرة.

ما سبب أن غزوة ذات السلاسل يطلق عليها هذا الاسم؟

على اسم بئر بالقرب من موقع المعركة.

لمن قال النبي صلى الله عليه وسلم: تطاوعا ولا تختلفا؟

قالها صلى الله عليه وسلم لأبي عبيدة بن الجراح، عندما أرسله على رأس مدد لعمرو بن العاص، في غزوة ذات السلاسل.

ما هو الحدث الفقهي الذي فعله عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل؟

صلى بالناس جنبًا دون اغتسال بالماء، واكتفى بالتيمم بالتراب لشدة البرد وخوفه الهلاك إن اغتسل.

في النهاية يظهر عمق تعاليم الدولة الإسلامية، فالإسلام تعاليمه صالحة لكل زمان ومكان، وغزوة ذات السلاسل خير دليل على عمق علاقات الأخوة بين المسلمين، وعلى القيادة الحكيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى