تاريخ الكعبة المشرفة على مر العصور

تعددت الروايات حول تاريخ الكعبة المشرفة وعمن بنى البيت العتيق لأول مرة. فهي أول بناء وضع للناس على الأرض، قال تعالى: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ” [آل عمران:96]. 

 تقع الكعبة المشرفة بأرض مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية.

كما هي أقدس مكان عند المسلمين فهي مقصدهم للحج وقِبلة صلاتهم، وسنعرض في هذا المقال مراحل تاريخ الكعبة بالتفصيل.

تاريخ الكعبة المشرفة

اختلف العلماء والمؤرخون فى تحديد تاريخ الكعبة وعدد مرات بناءها وتعددت الروايات التاريخية وتم حصر عدد مرات بناء الكعبة ما بين خمسة واثنتي عشر مرة.

  • ذكر الأزرقي في (أخبار مكة) عن بناء الملائكة عليهم السلام الكعبة قبل خلق آدم بألفي سنة. قال تعالى: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”.
    ظنت الملائكة أن ما قالوا أغضب الله تعالى، فأخذوا يطوفون بعرش الرحمن فشاء الله أن وضع لهم البيت المعمور يطوفون به، وكان يدخله كل يوم سبعون ألف ملك.
    كما أمرهم ببناء بيتًا بمثال البيت المعمور ليطوف به أهل الأرض كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور، وبذلك يكون تاريخ الكعبة سابقًا لزمن آدم عليه السلام.
  • بناء آدم من بعد هبوطه من الجنة ومن بعده ابنه شيث عليهما السلام.
  • هدم الكعبة بعد طوفان نوح، ظل مكانها مجهولًا حتى أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة المشرفة، وذلك في قولــه تعالى: “وَإِذْ بوَّأْنَا لإِبرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ” [حج:26].

علاوة على ذلك، القول الثابت في القرآن والسنة الشريفة الذي لا خلاف فيه أن بناة البيت هم إبراهيم عليه السلام، قريش، ابن الزبير، الحجاج الثقفي.

تاريخ الكعبة قبل الإسلام

بنيت الكعبة قبل الإسلام أربع مرات وذلك ما ورد في القرآن والسنة الشريفة وما أجمع عليه المفسرون والمؤرخون و نذكرها على النحو التالي:

بناء إبراهيم عليه السلام

يبدأ تاريخ الكعبة ببناء سيدنا إبراهيم بمساعدة ابنه إسماعيل عليهما السلام الكعبة بأمر من الله سبحانه وتعالى بعد نزوحهما من فلسطين إلى مكة بأرض الحجاز وورد ذلك في القرآن الكريم في قولــه تعــالى: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” [سورة البقرة:127].

إذ أن إبراهيم قصد ابنه إسماعيل عليهما السلام لمعاونته في بناء الكعبة فقال: “إن الله عز وجل قد أمرّني بأمر. قال: فأطع ربك فيما أمرك، قال: وتعينني؟ قال:وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني له بيتًا ها هنا، فأشار إبراهيم عليه السلام إلى تلة مرتفعة على ما حولها.

في هذا الموضع رفعا قواعد البيت فيحمل إسماعيل الحجارة ويقوم إبراهيم بالبناء عليهما السلام، حتى إذا ارتفع البناء شق على الخليل حمل الحجارة فجاءه إسماعيل بحجر فقربه منه فقام عليه وهو يبني وهما يقولان: ” رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”.

فلما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت أمره الله سبحانه وتعالى أن يؤذن في الناس بالحج في قولــه تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [ الحج:27].

أما في السنة فقد نقل الأزرقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ” أن أول من بنى الكعبة هو إبراهيم عليه السلام وأكد ذلك ابن كثير وقال:” لم يجئ في خبر صحيح عن المعصوم أن البيت كان مبنيًا قبل الخليل عليه السلام”.

كان بناء إبراهيم للكعبة المشرفة من الحجارة الموضوعة بعضها فوق بعض وكانت الملائكة تأتيه بالحجارة من خمس جبال هم: طور سيناء، وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وحراء. حتى أتموا البناء فأمر الخليل ابنه بإحضار حجر ليكون موضع بداية الطواف، حينئذ أتاه جبريل عليه السلام بالحجر الأسود.

كما جعل إبراهيم للكعبة ركنين فقط هما: الركن اليماني والركن الأسود، وجعلها مدورة على نصف دائرة وفتح لها بابين ملاصقين للأرض ولم يضع على بابيها أبوابًا تغلق أو تفتح ولم يجعل لها سقفًا.

بناء العمالقة

روى الأزرقي عن علي بن أبي طالب قال: ” أول من بنى البيت إبراهيم، ثم انهدم، فبنته جُرهم، ثم العماليق ثم هدم فبنته قريش”.

العماليق هو اسم يطلق على قبائل الكنعانيين والأموريين الذين يسكنون شبه الجزيرة العربية وحكموا بلدان كثيرة.

بناء جُرهم

روى الأزرقي عن علي بن أبي طالب قال في خبر بناء إبراهيم للكعبة ثم انهدم فأقامته قبيلة أقامت نحو 300 سنة لا ينازعها في ولاية البيت أحد. كما قال السهيلي في (الروض الأنف):” بأنه بني في أيام جُرهم أكثر من مرة”.

قبيلة جُرهم هي أولى القبائل التي سكنت مكة المكرمة بعد أن هاجرت إليها وأذنت لهم السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام بالسكن جوارها ولكنهم بغوا وطغوا وفرضوا إتاوات على الحجاج والمعتمرين وكافة القوافل التجارية وارتكبوا الفواحش، حتى حاربتها قبيلة خُزاعة وانتصرت عليها وأخرجتها من مكة.

بناء قريش

تعرضت الكعبة قبل بعثة النبي بخمسة أعوام لحريق أتلف كسوتها، كما تعرضت لسيل قوي أدي إلى انهيار أجزائها، فعزمت قريش بإعادة بناء الكعبة المشرفة وتعاهدوا ألا يدخل في بنائها من كسبهم إلا ما كان طيبًا ولا يدخل فيها مهر بغَي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس. وذلك يدل على قدسية الكعبة عند العرب قبل الإسلام. علاوة على ذلك، زادوا من ارتفاعها إلى 18 ذراعًا وجعلوا لها سقفًا وأخرجوا منها حِجر إسماعيل لنقص النفقة وجعلوا لها ميزابًا من الخشب لتصريف مياه الأمطار لتصب في الحِجر، وسلم من الداخل ليصعد به إلى السطح وبابًا واحدًا يفتح ويغلق. 

وعندما أتموا البناء وأرادوا وضع الحجر الأسود وقع نزاع بينهم حول من يستحق شرف وضع الحجر الأسود قال ابن إسحاق: ” ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة تجمع على حدة، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن، فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال”.

ورضوا أن يحكم فيهم أول داخل للبيت فكان هو النبي وكان عمره آنذاك خمس وثلاثون سنة، فأخذ الحجر ووضعه في رداء تمسك بأطرافه كل قبيلة فرفعوه ووضع الرسول  الحجر في موضعه فتم البناء وحسم النزاع الذي كاد يوقع حربًا بين القبائل.

وبناء قريش ثابت وذلك ما جاء في روايات صحيحة ومتعددة منها:

  • ما جاء في البخاري ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: “سألت النبي ﷺ عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: نعم. قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة. قلت: فما شأن بابه مرتفعا؟ قال: فعل ذاك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألصق بابه في الأرض”.
  • وما جاء أيضًا في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله قال: “ألم تري إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم”.

تاريخ الكعبة بعد الإسلام

زادت قدسية الكعبة المشرفة بعد الإسلام وذلك بعد تغيير اتجاه قِبلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام. لاسيما بعد فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة وتطهيرها من الأصنام، بالإضافة إلى فتح المجال للمسلمين بأداء مناسك الحج والعمرة.

فقد أجمع العلماء والمفسرون أن الكعبة بنيت بعد الإسلام ثلاث مرات ونذكرها على النحو التالي:

بناء عبدالله بن الزبير

أرسل يزيد بن معاوية جيشًا من الشام لمحاربة عبد الله بن الزبير عام (64هـ) لرفض الأخير بيعة يزيد.

فحاصر مكة وضربها بالمنجنيق فأدى ذلك إلى حرق الكعبة وضعفت جدرانها، ولما رفع الحصار وتوفي يزيد عزم بن الزبير على هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم عليه السلام. فأدخل فيها حِجر إسماعيل وزاد من ارتفاعها 27 ذراعًا وجعل لها بابين، واعتمد بن الزبير في هدم الكعبة على حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول  قال: ” لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بهدم البيت فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت لها بابين: بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا، فبلغت به أساس إبراهيم”.

بناء الحجاج بن يوسف الثقفي

بعد مقتل بن الزبير عام (73هـ) أمر عبد الملك بن مروان الحجاج بهدم الكعبة وإعادة بنائها على بناء قريش في زمن النبى ۖ .

بناء السلطان مراد خان

ظلت الكعبة المشرفة على حالها حتى تسببت السيول فى انهيار جدرانها فبناها السلطان مراد خان أحد سلاطين الخلافة العثمانية سنة (1040هـ). علاوة على ذلك، ظل البيت العتيق على ذلك البناء إلى اليوم ولم يحدث به سوى بعض الترميمات في الحقبة المعاصرة.

ختامًا، تعد الكعبة المشرفة أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله عز وجل كما ترتبط بركن من أركان الإسلام خاصة الحج وقِبلة صلاة المسلمين، قال تعالى: “جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ” [المائدة:٩٧].

كما هي أقدس بقاع الأرض منذ التاريخ وزادت قدسيتها بعد الإسلام وتطهير البيت العتيق من كل مظاهر الشرك. إذ يبدأ تاريخ الكعبة ببناء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام إنتهاءًا ببناء الخلافة العثمانية وهو الشكل الحالي للكعبة. زاد الله هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى