الفضفضة بين الفوائد والمخاطر

كثيرًا ما نحتاج إلى الفضفضة عندما تضيق صدورنا بالكلمات والمشاعر والمخاوف التي تؤرقنا؛ والتي تسبب لنا القلق، والتوتر، والوقوع فريسة للضغوط النفسية التي قد تتطور إلى أمراض نفسية إذا لم ندرك كيفية التخلص من هذه الضغوط وتفريغ هذه الشحنة من المشاعر السلبية بصورة صحية.

الفضفضة هي وسيلة للتنفيس عن ما بداخل الإنسان من مشاعر، وهموم، ومخاوف. فهي أحد أشكال العلاج النفسي الذي يقلل من حدة المعاناة والقلق الذي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية. وهي سلوك صحي إذا أدركنا لمن نفضفض، ومتى.

إذا كان لا بد من البوح عن ما بداخلنا من مخاوف وقلق وهموم، فلا بد أن نختار من نشارك معه ما يؤرقنا. فلا بد أن يكون شخصًا قريبًا منا، نثق به وبقدرته على احتواء ما بداخلنا وعلى تقديم النصيحة لنا، وأن يكون قادرًا على حفظ الأسرار. إذا لم يتوفر هذا الشخص، فعلينا اللجوء إلى المعالج النفسي؛ فهو قادر دون غيره على تقديم المشورة المناسبة والاستماع بدون ملل أو ضيق، كما يستطيع وضع خطة لعلاج الكثير من السلبيات التي قد نتعرض لها.

كثير منا يخفي مشاعره وينطوي على ذاته ظنًا منه أن البوح بما يقلقنا هو نوع من الضعف الذي يجب أن نخفيه عن من حولنا؛ حتى لا نوصف بالضعفاء، في حين أن البوح بما داخلنا من هموم ومخاوف هو من نوع من القوة في مواجهة ما يؤرقنا ويسلب منا السعادة والراحة، فالسعي لحل مشاكلنا حتى لا تتطور إلى أمراض نفسية خطيرة كالاكتئاب يعد تصرف إيجابي من شخص يتسم بالشجاعة، يدرك ذاته، ويسعى لحل مشكلاته دون أن يتجاهلها.

كتمان المشاعر وتجاهلها وعدم القدرة على إظهارها بشكل إيجابي، قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وجسدية تتمثل في:

  • القلق. 
  • الأرق.
  • اضطرابات النوم.
  • الاكتئاب.
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • آلام العضلات.
  • صعوبة التنفس.
  • متلازمة القولون العصبي.
  • عسر الهضم.
  • الصداع.
  • الطفح الجلدي.
  • متلازمة القلب المكسور.

للفضفضة أشكال مختلفة منها:

تعتبر الفضفضة من الوسائل التي تساعد في تخفيف حدة الكبت والضغوط اليومية التي نتعرض لها. ولا سيما إن كانت لصديق مقرب، ولكن قد تكون الفضفضة للأصدقاء سلاحًا ذا حدين، فعندما نشتكي لصديق من مشكلة ما، هناك بعض الأمور التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار منها:

  • أنه قد ينظر للأمر من وجهة نظره التي قد تكون مبنية على تجارب سلبية سابقة، وبالتالي قد تكون نصائحه غير ملائمة أو حكمه غير صائب.
  • تعاطف هذا الصديق معنا وانحيازه لنا، مما يجعلنا نرى المشكلة أكبر مما قد تكون عليه.
  • الصديق يستمع إلى طرف واحد فقط، وهذا يعني أن جزءًا من الحقيقة قد يكون مفقودًا، وبالتالي قد يكون حكمه على الأمور غير دقيق.

لذا يجب علينا اختيار من نشاركه همومنا بعناية، فلا بد أن يكون شخصًا كتومًا، ذا ثقة، صاحب نظرة إيجابية، يتسم بالموضوعية والبعد عن التهويل أو الاستخفاف.

أكدت الدراسات أن التعبير عن المشاعر بالكتابة، أي وضع مشاعرنا وتجاربنا السلبية على الورق فيما يعرف بـ (العلاج بالكتابة)، يساعدنا في التعامل مع تلك المشاعر، كما يقوي جهاز المناعة لدينا؛ حيث يعمل على خفض مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول)، وهذا ما يفسر شفاء المرضى والتئام الجروح بشكل أسرع. فهي طريقة سهلة في التخلص من المشاعر السلبية والضغوط النفسية.

وهو يعتبر نوعا من العلاج السلوكي الذي يعتمد على فلسفة مواجهة القلق والألم.

امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بكثير من المشاكل الشخصية والأسرية شديدة الخصوصية، دون خجل أحيانًا من بعض التفاصيل التي لا ينبغي أن يعرفها كل الناس، إذ يعتبر ذلك خرقًا للخصوصية التي ينبغي أن نحرص عليها؛ حتي لا تصبح حياتنا الشخصية كتابًا مفتوحًا على مرأى ومسمع من الجميع. والأغرب أن يتوقع صاحب المشكلة أن يجد حلًا مثاليًا.

قد تكون وتيرة الحياة المتسارعة جعلتنا لا نهتم بالحديث مع أبنائنا أو أزواجنا؛ مما جعلهم يضعون مشكلاتهم في الطريق في انتظار الحل من أناس لا نعرفهم، ولا نثق بهم، ولا ندري ما هي خلفياتهم العلمية أو الاجتماعية. 

الهدف من العلاج السلوكي هو تقليل السلوكيات المدمرة للذات، وتعزيز السلوكيات المرغوبة. ويستخدم هذا العلاج في حالات القلق، والاكتئاب، والميل إلى إيذاء النفس، واضطراب الوسواس القهري.

يركز العلاج السلوكي المعرفي على تأثير المعتقدات الأساسية على أنماط التفكير وبالتالي على سلوكيات الفرد. لذا فهو يستخدم في تحديد الأنماط االسلبية للتفكير ومحاولة تصحيحها.

يعتبر العلاج النفسي الديناميكي هو المرادف الأقرب للعلاج بالكلام. حيث يبحث في المعاني والدوافع اللاواعية للمشاعر والأفكار والسلوكيات، وإنشاء وعي لدى المريض أن المشاعر اللاواعية وأن التجارب السابقة قد تؤثر على سلوكيات الحاضر.

يركز هذا النوع من العلاج على التقبل الحقيقي للذات، ويحدث ذلك من خلال تنمية الاحترام الإيجابي غير المشروط من الآخرين ومن النفس، والتغلب على الرفض والنقد من الآخرين. فالاعتقاد بأن احترام الآخرين وتقديرهم مشروط بتصرفات معينة، يعزز الشعور بعدم القيمة، والذي بدوره يؤثر على الكيفية التي ينظر بها الفرد إلى نفسه وإلى العالم من حوله، مما يؤثر على سلوكياته وأفعاله.

يشير العلاج التكاملي إلى دمج أكثر من عنصر من عناصر العلاج النفسي لتلبية احتياجات المريض النفسية. كما يشمل دمج جميع الجوانب الشخصية للفرد مثل الجوانب العاطفية، والجسدية، والعقلية، والروحية؛ لوضع خطة علاج شاملة تقلل من الأعراض النفسية للمريض، كما تعمل على تحسين جودة الحياة بشكل عام.

هل الكتمان مرض نفسي؟

يعد الكتمان من الحالات النفسية التي تمنع الإنسان من التعبير عن مشاعره؛ وذلك لشعوره بعدم تقدير من حوله لتلك المشاعر، أو أنه نشأ في بيئة لم تسمح له بالتعبير عن مشاعره وآراءه. فيلجأ إلى الكتمان، حتى يصبح سلوكًا لا يستطيع تغييره.

كيف أتخلص من الفضفضة الزائدة؟

ينصح الأخصائيون النفسيون بتجنب الفضفضة الزائدة والتي تؤدي إلى عواقب وخيمة، واستبدال هذا السلوك ببعض السلوكيات الأخرى التي تعمل على تقليل التوتر، والقلق، وتحسين الحالة النفسية، مثل:
1. ممارسة الرياضة.
2. تفريغ المشكلات والمواقف اليومية المزعجة على الورق ثم التخلص منه.
3. التركيز على ملء الفراغ اليومي بما ينفع، كتعلم مهارات جديدة.
4. استخدام كلمات إيجابية في الحديث مع النفس أو الغير.
5. الاهتمام بتطوير الذات، مما يعزز الثقة بالنفس ويقلل من حاجة المرء للفضفضة المستمرة.

هل العلاج بالفضفضة فعال؟

يعتمد نجاح العلاج بالكلام على استعداد المريض للتفاعل مع هذا النوع من العلاج، وعلى نوعية العلاقة بين المريض والمعالج، وعلى قدرة المريض على الإفصاح عن ما يشعر به بصدق وشفافية.

وفي النهاية، أرجو أن يكون هذا المقال قد ساهم في فهم فوائد الفضفضة ومخاطرها. فلا إفراط ولا تفريط، لكل شيء حد ينبغي ألا نتعداه؛ حتى لا نندم على النتائج التي قد تكون مؤسفة في كثير من الأحيان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى