8أنبياء قابلهم الرسول في حادثة الإسراء والمعراج .. ولماذا بكى موسى -عليه السلام-؟

رحلة أو حادثة الإسراء والمعراج ليست حدثًا عاديًا، فباختراع وسائل مواصلات سريعة يمكن للإنسان السفر من مكة إلى بيت المقدس في جزء من الليل، أصبح الأمر يمكن استيعابه، أما الصعود من الأرض إلى السماوات حتى سِدرة المنتهى، فهذا لا ترقى إليه أحلام العلماء، والإيمان به دليلًا على ثقة المسلم بقدرة الله -تعالى- وصدق رسوله.

وفي هذا المقال سنرجع إلى الوراء لزمن لم نعاصره، ونطل على الليلة المباركة، لنعرف بعض ما حدث فيها، ومن الأنبياء الذين قابلهم نبينا، فاستعدوا لننطلق سويًا في رحلتنا.

رحلة الإسراء والمعراج هي أعجب رحلة حدثت في التاريخ، ولكن قبل أن ندخل في تفاصيل هذه الرحلة المباركة ينبغي لنا أن نعرف ما معنى الإسراء والمعراج.

الإِسْراء هو: السَيْر لَيْلاً. والمقصود بالإسراء هنا: هو انتقال رسولنا محمد ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس.

المعراج: نقول عَرَجَتِ الطُّيُورُ: اِرْتَفَعَتْ، عَلَتْ، والمِعْرَاجُ هو: المِصْعَدُ والسُّلَّمُ. أما المقصود بالمِعراج هنـا: هو صعود النبي من بيت المقدس إلى السماء السابعة، تلك الرحلة السماوية العجيبة التي سنتعرف على بعض ما حدث فيها بإذن الله.

لَمَّا اشتد أذى كفار قريش على النبي، وما حدث من حصار المشركين في شِعب أبي طالب، تلا هذه الأحدث وفاة أكبر داعمين للرسول فكانت وفاة عمه أبي طالب، وهو من كان يمنع عنه المشركين، ويسانده بشكل قوي، ويدفع عنه صناديد الكفر.

ثم وفاة خديجة -رضي الله عنها- وكانت أكبر داعم قلبي للنبي، وكانت نِعم السند له، ففقد النبي القلب الحنون، حتى سُمي هذا العام بعام الحزن.

فخرج النبي بعدها إلى الطائف ليدعو الناس ولم يجد استجابةً منهم، بل أيضًا طردوه وآذوه حتى أدموا قدمه الشريف، فعاد إلى مكة حزينًا.

في ظل كل هذه الأحداث المتلاحقة على قلب رسولنا جاءت رحلة الإسراء والمِعراج كالبلسم الشافي لتطمئن قلب النبي، وتمسح عنه حزن ما مضى، وتثبته على تحمل ما سيأتي، فنقلته هذه الرحلة من عالم أرضي إلى عالمٍ آخر رأى فيه جبريل ورأى الجنة، حتى كان بالقرب من عرش الرحمن.

اتفق العلماء على أن حادثة الإسراء والمعراج يقينًا كانت قبل الهجرة، ولكنهم اختلفوا في أي شهر كانت أو في أي سنة قبل الهجرة.

فمنهم من قال: أنها قبل الهجرة بسنة.

ومنهم من قال: أنها قبل الهجرة بثلاث سنوات.

ولم تثبت أحاديث صحيحة عن النبي في موعد حادثة الإسراء والمعراج تحديدًا، هل كانت في رجب أو غيره، فضلًا عن تحديد الليلة ذاتها، ولعل في ذلك حكمة لله -عز وجل- في إنساء الناس لها.

وعلى أيّ حال ينبغي ألا يشغل بالنا تحديد موعد الإسراء والمِعراج، إنما الذي يهمنا هو الإيمان يقينًا بأن هذه المعجزة قد وقعت بالفعل، ولازلنا نستلهم منها الأحكام والدروس حتى يومنا هذا.

رحلة الإسراء من المعجزات التي تخلّد ذكرها في القرآن الكريم، بل ذُكرت صراحة، فصارت بذلك قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة.

قال تعالى ﴿سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ)[الإسراء:١].

وعن ذِكر المِعراج في القرآن الكريم فيرى العلماء أنه وإن لم يذكر صراحةً إلا أنه ذُكر بالمعنى في سورة النجم، قال تعالى: “وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى*عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى*إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى*ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى” [النجم/١٣-١٨].

فقد رأى النبي جبريل مرتين على صورته الحقيقية؛ مرة في بداية الوحي، والمرة الثانية عند سدرة المنتهى ليلة الإسراء والمِعراج. يقول الإمام ابن كثير في كتابه تفسير القرآن العظيم:

وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾، هَذِهِ هِيَ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي رَأَى رَسُولِ اللَّهِ فِيهَا جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَكَانَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.

تعددت روايات أحاديث حادثة الإسراء والمعراج في السنة النبوية المطهرة، ولطول هذه الأحاديث سأكتفي هنا بذكر جزء منها، وهو ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ونذكر بعض الأجزاء في وقتها بما يناسب المقام بعد ذلك.

روى البخاريُّ ومسلم -واللفظ لمسلم- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ الله قال: “أُتيت بالبُراق، وهو دابَّة أبيضُ طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضَع حافره عندَ منتهى طرفه.. قال: فركبتُه حتى أتيتُ بيت المقدس، قال: فربطتُه بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلتُ المسجِد، فصليتُ فيه رَكعتين، ثم خرجتُ فجاءني جبريلُ -عليه السلام- بإناء مِن خمر، وإناء مِن لبن، فاخترتُ اللبن، فقال جبريل: اخترتَ الفِطرة، ثم عرج بنا إلى السماء”.

لما وصل النبي إلى بيت المقدس وشاء الله -سبحانه وتعالى- أن تبدأ الرحلة إلى السماء، رأى النبي عجبًا، فلما انطلق به جبريل التقى بثمانية من الأنبياء سنذكرهم باختصار بإذن الله.

أول من رأى النبي هو أبوه آدم في السماء الأولى، فقد روى البخاري عن مالك بن صعصعة الأنصاري: ” . . . فَانْطَلَقَ بي جِبْرِيلُ حتَّى أتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فقِيلَ: مَن هذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: ومَن معكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قيلَ: مَرْحَبًا به؛ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هذا أبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عليه، فَسَلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بالِابْنِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِحِ . . .”.

آدم -عليه السلام- أبو البشر جميعا فكان مناسبًا أن يراه النبي في السماء الأولى، ويكون أول من يستقبله، بل يكون أسعد الناس بهذا الابن الصالح، ففي رواية في صحيح البخاري عن أنس بن مالك أن آدم -عليه السلام- قال للنبي: ” مَرْحَبًا وأَهْلًا بابْنِي، نِعْمَ الِابنُ أنْتَ . . .”.

وفي السماء الثانية رأى نبيين، وأيضا دار سلام بينهم.

وفي الحديث “ثُمَّ صَعِدَ بي حتَّى أتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قيلَ: مَن هذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: ومَن معكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قيلَ: مَرْحَبًا به؛ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إذَا يَحْيَى وعِيسَى -وهُما ابْنَا الخَالَةِ- قَالَ: هذا يَحْيَى وعِيسَى فَسَلِّمْ عليهمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِحِ”.

(ابنا الخالة) لأن أم يحيى أخت أم مريم.

” ثُمَّ صَعِدَ بي إلى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قيلَ: مَن هذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: ومَن معكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قيلَ: مَرْحَبًا به؛ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إذَا يُوسُفُ، قَالَ: هذا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عليه، فَسَلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِحِ “.

ولكن كان للنبي تعليق يصف يوسف -عليه السلام-

في رواية عند مسلم قال النبي عن يوسف عليه السلام” فإذا أنا بيوسُفَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذا هو قد أُعطِيَ شَطرَ الحُسنِ …”.

إدريس -عليه السلام-

ويستمر اللقاء بالأنبياء فقد وصلنا إلى السماء الرابعة، “ثُمَّ صَعِدَ بي حتَّى أتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قيلَ: مَن هذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: ومَن معكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: أوَقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قيلَ: مَرْحَبًا به؛ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إلى إدْرِيسَ، قَالَ: هذا إدْرِيسُ فَسَلِّمْ عليه، فَسَلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِحِ”.

وفي رواية عند مسلم زاد: قَالَ اللهُ -سبحانه وتعالى-: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57].

“ثُمَّ صَعِدَ بي، حتَّى أتَى السَّمَاءَ الخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قيلَ: مَن هذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: ومَن معكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قيلَ: مَرْحَبًا به، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هذا هَارُونُ فَسَلِّمْ عليه، فَسَلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِح”.

ولسيدنا موسى مع رسولنا -عليه السلام- موقفين في رحلة الإسراء والمعراج

الموقف الأول:

أنه عند مر النبي ليسلم عليه في السماء السادسة فسّلم عليه نبي الله موسى، “ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ”.

إلى هنا كان الأمر عاديًا كما سلّم على من قبله من الأنبياء، ولكن لمّا تركه النبي وذهب ليكمل رحلته سمعه يبكي!

فلماذا بكى موسى في هذا الموقف بعد أن قابل النبي؟

الحديث يفسر سبب البكاء؛ ” فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي”.

ولعل البعض قد يساوره بعض الشكوك من كلام سيدنا موسى من جهة أمرين:

أنه قال على النبي غلام:

وهذا الأمر ليس فيه تقليل من شأن النبي إطلاقًا، بل كان يقصد صِغر سنّه بالنسبة إليه وإلى بقية الأنبياء قبله كآدم ونوح.

يقول ابن حجر في فتح الباري: “وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ مُوسَى عليه السلام أَشَارَ إِلَى مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى نَبِيِّنَا عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مِنِ اسْتِمْرَارِ الْقُوَّةِ فِي الْكُهُولِيَّةِ، وَإِلَى أَنْ دَخَلَ فِي سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى بَدَنِهِ هَرَمٌ، وَلاَ اعْتَرَى قُوَّتَهُ نَقْصٌ؛ حَتَّى إِنَّ النَّاسَ فِي قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ لَمَّا رَأَوْهُ مُرْدِفًا أَبَا بَكْرٍ أَطْلَقُوا عَلَيْهِ اسْمَ الشَّابِّ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ اسْمَ الشَّيْخِ، مَعَ كَوْنِهِ فِي الْعُمْرِ أَسَنَّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ”.

ومن المؤكد أن سيدنا موسى يحمل كل تقدير وتعظيم لنبينا ولا يتصور عاقل أنه قد ينتقص من شأنه فهو أعلم بقدر الأنبياء.

بكاء موسى -عليه السلام-:

لا يؤخذ بكاء سيدنا موسى على أنه حسد للنبي -حاشاه- فهو نبي كريم، وهو أحد أولي العزم من الرسل، وهو أيضًا معصوم فلا يقع هذا منه.

ولكن بكاء سيدنا موسى -عليه السلام- كان شفقةً وحرصًا على بني إسرائيل، وحزنًا على عنادهم وتكذيبهم، مع أنه قضى مدة طويلة معهم يدعوهم إلى الله، وبذل معهم مجهودا كبيرًا في دعوته هو وهارون، ولنا موقف آخر مع سيدنا موسى يثبت حرصه على هذه الأمة سيأتي بعد ذلك بإذن الله.

ولما وصل رسولنا إلى السماء السابعة وجد أبيه إبراهيم

فسلم عليه، “ثُمَّ صَعِدَ بي إلى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قيلَ: مَن هذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: ومَن معكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قيلَ: وقدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا به، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إبْرَاهِيمُ قَالَ: هذا أبُوكَ فَسَلِّمْ عليه، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ السَّلَامَ، قَالَ: مَرْحَبًا بالِابْنِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِحِ”.

ولم يسلّم إبراهيم على النبي فقط بل سلّم علينا، وأرسل لنا رسالة غالية، فما هي هذه الرسالة؟

لنقرأ كلام النبي عنها: روى الترمذي في صحيحه روى عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لَقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْريَ بي فقالَ: يا محمَّدُ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ، وأنَّها قيعانٌ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ ” الحديث حسنه الألباني.

في حديثنا عن حادثة الإسراء والمعراج لا بد أن نذكر الصلاة، فلهذه الفريضة قدر خاص، وشأن عظيم، فهي العبادة الوحيدة التي فُرضت في السماء، فكيف فُرضت؟ وما هي المراحل التي مرّت بها حتى استقرت على حالها الذي نؤديها عليه اليوم؟

الصلاة هي صلة بين العبد وربه، فربنا -سبحانه وتعالى- فرضها مباشرة ولم يُنزل بها جبريل عليه السلام، ولسيدنا موسى -عليه السلام- موقفٌ لا ننساه خاصة مع موضوع فرض الصلاة في رحلة المِعراج، فهيا لنعرف القصة من كلام النبي ولكن قبل أن نذكرها أريد أن أخبركم أمرًا!

هل تعلمون أننا كنا سنصلي خمسين صلاة لولا سيدنا موسى عليه السلام! فجزاه الله عنا خيرًا.

روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه- قال رسول الله: “فأوحى اللهُ إليَّ ما أوحى، ففرض عليَّ خمسين صلاةً في كلِّ يومٍ وليلةٍ. فنزلتُ إلى موسى، فقال: ما فرض ربُّك على أُمَّتِك؟ قلتُ: خمسين صلاةً، قال: ارْجِعْ إلى ربِّك فسَلْه التَّخفيفَ، فإنَّ أُمَّتَك لا تُطيقُ ذلك، فإني قد بلَوْتُ بني إسرائيلَ وخبَرتُهم، فرجعتُ إلى ربي، فقلتُ: يا ربِّ خَفِّفْ عن أُمَّتي، فحطَّ عني خمسًا. فرجعتُ إلى موسى، فقلتُ: حطَّ عني خمسًا، قال: إنَّ أُمَّتَك لا يُطيقون ذلك، فارجِعْ إلى ربِّك فسَلْه التَّخفيفَ. فلم أزلْ أرجعُ بين ربي وبين موسى حتى قال: يا محمدُ إنهنَّ خمسُ صلواتٍ كلَّ يومٍ وليلةٍ لكلِّ صلاةٍ عشرٌ، فذلك خمسون صلاةً، . . . فنزلت حتى انتهيتُ إلى موسى، فأخبرتُه، فقال: ارجِعْ إلى ربِّك فسَلْه التَّخفيفَ، فقلتُ: قد رجعتُ إلى ربي حتى استحْيَيْتُ منه”.

وفي رواية البخاري قَالَ: “فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي”.

وقد أجمع العلماء أن الصلوات الخمس لم تفرض إلا في هذه الليلة أي :ليلة الإسراء والمعراج.

ورفق سيدنا موسى بهذه الأمة؛ فقد حث النبي على أن يرجع إلى ربه فيسأله التخفيف، وذلك لأنه قاسى مع بني إسرائيل أشد المعاناة، وعرف أن الناس لا تطيق كل هذا. فالحمد لله رب العاملين الذي يسر وخفف عن عباده وضاعف الأجر لهم.

الجنة هي الحلم الجميل الذي ينتظر كل مسلم تحققه، فيتخيلها، ويقرأ عنها، ويسمع أوصافها، فيزداد شوقه الزائد لها، فاسمها وحده يبعث الفرحة في النفس فكيف لو رآها ودخلها؟!

ولكن النبي رأى الجنة، بل ودخلها، ووصف لنا بعض ما فيها، وهي تكرمة للنبي لم تكن لأحد قبله، ولن تكون لأحد بعده؛ أن يدخل أحد الجنة وهو لا يزال في الدنيا.

روى البخاري عن أبي ذر الغفاري قال رسول الله: ” ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وإذَا تُرَابُهَا المِسْكُ”.

والجنابذ معناها: ما ارتفع من البناء كالقبة، أي: رأى النبي قبابا من اللؤلؤ. فاللهم ارزقنا الجنة جوار النبي.

انتهت الرحلة المباركة، والمعجزة الخالدة، وحان الوقت لأن يعود نبينا إلى دياره في مكة، ولكن وهو في طريق العودة مر على قافلة لقريش تسير من الشام إلى مكة، وهذه القافلة سيكون ذكرها دليلًا وحجة للنبي أمام أهل مكة عندما يخبرهم عن رحلته.

ولما وصل إلى مكة وأصبح النبي قعد حزينًا قبل أن يخبر أهل مكة بما وقع له، قلقا أنهم لن يصدقوه، فلما مر به أبو جهل وسأله هل حدث شيء فقال له: نعم، فأخبره ما حدث، فقال له: هل أجمع لك قومك حتى تحدثهم بما حدثتني؟ فقال له النبي: نعم.

فجمعهم وحدثهم النبي بما كان، وأخبرهم عن العلامات والقافلة التي رآها في طريق العودة.

لأبي بكر مواقف لا تُنسى، ومن هذه المواقف ما حدث صبيحة ليلة الإسراء والمعراج؛ فلما قال له أبو جهل: إن صاحبك يزعم أنه ذهب من مكة إلى بيت المقدس في جزءٍ من الليل، كان رد أبو بكر صريحًا قويًا ثابتًا.

فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “وسعوا إِلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك، يزعم أنّه أُسْريَ به الليلة إِلى بيت المقدس! قال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: وتصدِّقه! قال: نعم، إِني لأصدِّقه بما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سُمِّي الصدِّيق) رواه الحاكم وصححه الألباني.

عشنا مع جزء من حادثة الإسراء والمعراج، فهذه الرحلة المباركة ليست حكايةً من الخيال نستمتع بها، ونحكيها كقصص الخيال قبل النوم، بل هي جزء من عقيدة المسلم؛ ففيها فُرضت الصلاة، وهذا يدعونا أن ننظر لها نظرة مختلفة، فهي صلة بين العبد وربه، فلنحرص على تقوية وتحسين هذه الصلة، فالعبد كلما قويت صلته بربه زاد النور في قلبه وحياته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى