أبرز سلاطين الدولة العثمانية

اتسعت الدولة العثمانية في شتى بقاع الأرض، واشتهرت بمدى قوتها وتقدمها في كل المجالات عامًة والمجال العسكري خاصًة. فاستطاعت أن تجتاح المشرق والمغرب بجيش لا يقهر. ويرجع كل ذلك إلى سلاطين الدولة العثمانية، الذين لهم الفضل الأكبر في إنشاء الإمبراطورية العثمانية العريقة والتي امتدت لتتسع الثلاث قارات: أوروبا وآسيا، وإفريقيا. وتعود تسمية الدولة العثمانية إلى عثمان بن أرطغرل، مؤسس الدولة وأول حكامها. والجدير بالذكر أنه قد حكم تلك البلاد أكثر من 36 سلطانًا من سلالة عثمان بن أرطغرل، منهم من نهض بالبلاد وشهدت على يديه الفتوحات والإعمار، ومنهم من أودى بالبلاد إلى الهاوية، وفي هذا المقال، سنتناول أبرز سلاطين الدولة العثمانية.

عثمان الأول

هو عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه، ولد عام 1258م، ووافته المنية عام 1326م بعد إصابته بمرض النقرس. أقدم منذ صغره على الفروسية وركوب الخيل، مما علمه الشجاعة والصبر وهيأه ليصبح فارسًا مقدامًا. ويعد أول سلاطين الدولة العثمانية، حيث حكم البلاد سنة 1299م لمدة لا تقل عن 25 عامًا بعد وفاة أبيه أرطغرل مؤسس إمارة سكود. قام السلطان عثمان في عهده بعدة إنجازات؛ حيث انتصر على الروم في معركة بافيوس وسيطر على مدينة بورصة، وفتح قلعة قره جه حصار(كاراجا هيسار باللغة التركية). كما توسعت إمارته بعد أن ضم قلعة قره حصار أو ما تعرف بالقلعة السوداء الموجودة في أرمينيا حاليًا. استطاع السلطان خلال فترة حكمه بوضع نظام إداري الذي حول قبيلته المتجولة إلى دولة مستقرة سميت باسمه، وكانت عاصمتها آنذاك قره حصار.

أورخان بن عثمان

هو أورخان بن عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه، ولد في مدينة سكود عام 1281م ومات سنة 1360م وهو في عمر ال81 عامًا متأثرًا بوفاة ابنه. تولى مسئولية البلاد لمدة 35 سنة بعد وفاة أبيه وسار على نهجه نحو توسيع الدولة، حيث أنشأ جيشًا عثمانيًا قويًا بالإضافة إلى تأسيس الفرقة الإنكشارية، في حين أولى تنظيم شؤون الدولة العثمانية إلى أخيه علاء الدين وولديه سليمان ومراد. وتفرغ هو إلى الفتوحات؛ فسيطر بجيشه على نيقيا ونيقوميديا، وكاراسي، وضم إمارة قره سي. مما جعله أقوى سلاطين الدولة العثمانية. كما قيد سيطرة البيزنطيين في آسيا الصغرى وقضى عليهم. وأيضًا اشتهر السلطان أورخان بالعدل والمساواة، فأدى ذلك إلى دخول العديد من البيزنطيين في الإسلام. كما صب اهتمام بالغ نحو التعليم خاصة التعليم الديني، فبنى العديد من المعاهد والمؤسسات الدينية.

مراد الأول

هو مراد ابن السلطان أورخان، ولد عام 1326م. تولى حكم البلاد في 1360م ليصبح من أهم سلاطين الدولة العثمانية، وظل في الحكم حوالي 29 عامًا إلى أن لقى حتفه في 12 يونيو 1389م غدرًا على يد ميلوش كوبلوفيج في حرب الجيش العثماني ضد الدولة الصليبية. حيث يقال أنه أثناء تفقده لأمور الجنود بعد الحرب تظاهر ميلوش بالموت وقتله آنذاك. اُشتهر بكونه محاربًا مقدامًا متدينًا وبالعدل بين الناس، وبالكرم مع الجنود. تبع نهج أبيه وجده حيث التمسك بالنظام الإداري للدولة. كما اهتم ببناء المدارس للتعليم والملاجئ لليتامى. وقام بالعديد من الفتوحات في أوروبا من جهة وفي آسيا الصغرى من الجهة الأخرى، ومن ضمن تلك الفتوحات الآتي: مقدونيا وبلغاريا، وشبه جزيرة البلقان. كما أخضعت قبائل التركمان في الأناضول وصريبيا تحت ولايته، وفرض عليهم دفع الجزية. مما ساهم في توسع الدولة العثمانية في عهد السلطان مراد خمسة أضعاف المساحة قبل توليه المنصب.

بايزيد الأول

ولد في مدينة أدرنة عام 1361م. استلم مقاليد الحكم بعد وفاة أبيه مراد بن أورخان من 1389م إلى 1403م. أولى اهتمامًا بالغًا خلال تلك المدة للجيش وفنون القتال حتى أُطلق عليه الصاعقة نتيجة الحروب التي شهدتها البلاد أثناء حكمه بين البلقان والأناضول. والتي أثمرت إلى إطفاء ثورات الأناضول وتوحيد بلاد الأناضول في نهاية الأمر. ومما يثبت مدى قوته، أنه لم تمض سنة على تولي السلطان بايزيد زمام الدولة حتى أخذ مدينة آلاشهر من البيزنطيين. ونجح في ضم كل من صربيا (بعد معركة نيكوبوليس) وفيلادلفيا إلى الدولة العثمانية بعد انتصاره على البيزنطيين. كما استطاع أن يفتح إمارات منتشا وآيدين وكذلك صاروخان دون إراقة الدماء. لذا يعد من أقوى سلاطين الدولة العثمانية. أما بالنسبة لوفاته، فقد تعددت روايات موته، فمنهم من قال إنه توفي عام 1403م عن عمر يناهز 43 عامًا بعدما ساءت حالته النفسية وأُسر على يد جيش تيمورلنك فمات بمرض النقرس والتهاب الشعب الهوائية. في حين تقول رواية أخرى، إنه قٌتل بالسم. وتم دفنه في مقابر السيد محمود الحيراني الرومي.

محمد الأول

ولد محمد الأول بن بايزيد في عام 1421م، وتولى مقاليد الحكم لمدة 8 سنوات بعد صراع طويل مع إخوته على السلطة، وذلك بعدما أُسر أبيه. يٌذكر أنه لم تشهد البلاد في فترته أي فتوحات، ولكن استطاع توحيد الأراضي العثمانية مرة أخرى بعد الانتكاسة التي مرت بها الدولة عندما هُزم أبيه. علاوة على ذلك تم توطيد العلاقات وإعادة السلام مع الدول المجاورة، فسيطر بذلك على ثورات الفتنة في آسيا وأوروبا، واستطاع إعادة كل من أراضي الأناضول والروم إلى حكمه. والإضافة إلى ذلك، نجح في استرجاع البحر الأسود وتساليا، وأفلونية. أكمل أيضًا تأسيس المسجد الواقع في بورصة والذي بدأ بناؤه مراد الأول، كما ألحق بجانبه مدرسة علمية وبيت للفقراء. وبذلك استطاع أن يكون من اقوى سلاطين الدولة العثمانية. وتوفاه الله في عقده الرابع في 1421م.

مراد الثاني

  • ولد مراد الثاني بن محمد في عام 1403م، وشٌهد له بالكفاءة العسكرية ونبل أخلاقه. تولى حكم الدولة لفترتي الأولى لمدة 23 سنة والثانية لمدة 5 سنوات، وبين الفترتين ولى مسئولية البلاد لابنه السلطان محمد الفاتح. خلال مدة حكمه الأولى والثانية، شهدت البلاد العديد من ،الإنجازات منها:
  • القضاء على ثورات التمرد ضد الدولة العثمانية.
  • زادت الفتوحات في عهده حيث سقطت في قبضته ألبانيا وسمندرية، وسلانيك.
  • هزيمة التحالف الأوروبي المتآمر المكون من: الألمان، والمجر، وسكان آلاشيا. ويُذكر أن تلك المعركة استمرت ثلاثة أيام، وانتهت بنصر عظيم للجيش العثماني.

وكان من أهم سلاطين الدولة العثمانية، توفي مراد قبل أن يتم عقده الخامس في 1451م تاركًا الحكم للسلطان محمد الثاني.

أبرز سلاطين الدولة العثمانية

محمد الثاني

ولد السلطان محمد الثاني في مدينة أدرنة في يوم السبت الموافق 31 مارس 1430م، وكان ذكيًا فطنًا، فاستطاع حفظ القرآن في صغره. كما درس الجغرافيا والتاريخ والعلوم العسكرية، واهتم بتعلم اللغات المختلفة، فأتقن اللغة العربية واليونانية، والفارسية. تولى الحكم لفترتين؛ الأولى عندما ولى إليه أبيه سلطة الدولة لعامين، والثانية بعد وفاة أبيه. تعددت إنجازات محمد الثاني، فكان من أقوى سلاطين الدولة العثمانية، حيث قام خلال فترة حكمه بالآتي:

  • استطاع فتح مدينة القسطنطينية للمرة الأولى بعد عدة محاولات كثيرة من حكام الدول الإسلامية باءت بالفشل، فلقب بمحمد الفاتح.
  • شملت فتوحاته أيضًا كل من سوريجه حصار وإينور، ومناطق من بلاد الصرب، والمورة، وقسطموني، وسينوب، وطرابزون، والأفلاق، وجزيرة مدللي، والبشناق، وجزيرة وابية، والقرم، وجنوب إيطاليا.
  • سيطر على بلاد المجر و السواحل الجنوبية للبحر الأسود.
  • أعطى اهتمامًا بالغًا للدين الإسلامي، فقام ببناء المساجد وثماني كليات لتكون ملتقى التعلم والمعرفة في فروع الدين الإسلامي. أنشأ مكتبة في قصره تحتوي على الأعمال اليونانية واللاتينية.

وافته المنية عن عمر يناهز ال51 عامًا في 1481م، يذكر أن سبب وفاته كانت مرض النقرس والذي يعد مرض وراثي عند آل عثمان. 

بايزيد الثاني

يعد ثامن سلاطين الدولة العثمانية، تولى زمام البلاد 31 عامًا بعد موت أبيه. اهتم بتطوير الدولة العثمانية من ناحية المنشآت المعمارية والطرق، فأنشأ شبكة طرق وجسور، وبنى المساجد والمستشفيات، والمؤسسات التعليمية. ومن ضمن ذلك مسجد بايزيد الذي بناه في الآستانة. علاوة على ذلك أولى اهتمامًا بمعاهدات السلام مع البلدان المجاورة له. كما فُتحت كل من ليپانت وما تبقى من بلاد المورة في عهده. مات بايزيد الثاني في عام 1512م عن عمر يناهز 65 عامًا.

سليم الأول

هو تاسع سلطان عثماني، تولى زمام السلطة من 1512-1520م. صب اهتمامًا كبيرًا على العلم وأهله، فعمد إلى ترقية بعض رجال العلم في مناصب الدولة المختلفة. كذلك اتجه في الفتوحات نحو البلاد العربية، فاستولى على مصر وبلاد الشام، والعراق، والحجاز، وصحراء تهامة. لذا لقب بالسلطان الغازي. استطاع أيضًا أن يضم المناطق التابعة لجورجيا، وأدى ذلك إلى إسلام العديد من الجورجيون. والجدير بالذكر أن المساحة الإجمالية للدولة العثمانية في تلك الفترة قدرت بما يقارب المليار فدان.

سليمان الأول

تولى السلطان سليمان الحكم من 1520-1566م، واٌشتهر باسم سليمان القانوني، نسبة إلى القوانين التي فرضها على البلاد. فاستطاع من خلالها معاقبة الباشوات والضباط الفاسدين، وانصاع لأوامره رجال الشرطة، وحذر من ظلم الشعب. واتسم بالكرم والعدل، فحظى بحب الشعب له وتأييد حكمه. مما أدى إلى ازدهار الدولة العثمانية أثناء عهده. أما من ناحية الفتوحات، فقد غزا النمسا وحاصر عاصمتها فيينا، واستولى على عدة جزر في البحر الأبيض المتوسط. ففتحت له الأبواب لتوسعات في البلاد العربية، فاستولى على عدن وصنعاء، ومضيق باب المندب، ونجح في ضم تونس. وساعد في ذلك الأسطول الكبير الذي بناه، فواجه أعداء الإسلام شرقًا وغربًا. وأعاد ترميم سور القدس وأنشأ جامع السليمانية. وتعد فترة حكمه هي الأطول مقارنًة بسلاطين الدولة العثمانية.

عبد الحميد الثاني

توالى السلاطين على البلاد بعد السلطان سليمان القانوني، منهم من كان يفتقد إلى الخبرة والدبلوماسية، ومنهم من أودى بالدولة نحو الديون والانهيار نتيجة صغر سنه. إلى أن استلم السلطان عبد الحميد السلطة في عام 1876-1909م، والذي يعد آخر سلطان عثماني يمارس السلطة بشكل فعلي، وكان من أعظم سلاطين الدولة العثمانية. فعلى الرغم من استلامه الدولة ضعيفة وغارقة في الديون، إلا أنه نجح في سداد الدين والنهوض بالدولة مرة أخرى. وقام بالحفاظ على التقاليد الدينية، مما أدى إلى إطالة عمر الدولة العثمانية.

عبد المجيد الثاني

أخر سلاطين الدولة العثمانية، انهار الحكم العثماني مع انتهاء سلطته في عام 1924م. وقد تم ذلك بعض الحرب العالمية الأولى، حيث عمد مصطفى أتاتورك إلى إنهاء الخلافة، وتم عقد معاهدة لوزان بين تركيا الحديثة والدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى. بموجب تلك المعاهدة، تخلت تركيا عن كل من القبرص ودوديكانيسا اليونانية لإيطاليا، والمشرق الغربي لبريطانيا وفرنسا.واتجه أتاتورك نحو بناء دولة علمانية عصرية تخلو من جميع آثار الدولة العثمانية. فقد عمد إلى إلغاء الوظائف الدينية وحول الآذان باللغة التركية، وجعل الكتابة باللغة اللاتينية بدلًا من العربية. وبذلك فقد انتهت حضارة دامت لأكثر من ستة قرون، شهدت خلالها الازدهار والفتوحات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى